الكنز الثمين
المبحث الثاني القتال على الشهادتين ووجوب الإتيان بهما
في الصحيحين: عن أبي هريرة اسم> -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه، إلا بحقهما وحسابه على الله عز وجل متن_ح> رسم> وفي رواية لمسلم اسم> رسم> حتى تشهدوا: أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به رسم> .
وفي الصحيحين: عن ابن عمر اسم> -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا: أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله متن_ح> رسم> .
وفي الصحيح: عن أنس اسم> -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> أمرت أن أقاتل الناس -يعني المشركين- حتى يشهدوا: أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، فإذا شهدوا: أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم، إلا بحقها متن_ح> رسم> .
والأحاديث في هذا كثيرة، وهكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتقبل كل فرد أسلم بعد أن يتكلم بالشهادتين. فقد ذكر المؤرخون في قصة إسلام أبي ذر الغفاري اسم> -رضي الله عنه- أنه قال: رسم> أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: السلام عليك يا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. قال: فرأيت الاستبشار في وجهه رسم> .
وذكر عن خالد بن الوليد اسم> أنه قدم المدينة اسم> للإسلام، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رسم> فسلمت عليه وقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. فقال: الحمد لله الذي هداك رسم> .
وكذا قصة إسلام خالد بن سعيد بن العاص اسم> -رضي الله عنه- رسم> أنه لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إلام تدعو؟ قال: أدعوك إلى الله وحده، لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وتخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع، ولا يضر ولا ينفع، ولا يدري من عبده ممن لا يعبده. قال خالد: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله رسم> .
فهذه القصص ونحوها تفيد أن النطق بالشهادتين شرط لقبول الإسلام رأس> فمن أتى بهما دخل في هذا الدين، وعصم بذلك دمه وماله وحرم قتله.
وقد أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على أسامة؛ لما قتل من تلفظ بهذا الكلمة، ففي صحيح مسلم اسم> وغيره: عنه رسم> أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه في سرية قال: فأدركت رجلا فقال: لا إله إلا الله، فطعنته، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقال: لا إله إلا الله وقتله؟ قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السلاح. قال: أفلا شققت عن قلبه؟ متن_ح> رسم> .
وفي حديث جندب البجلي اسم> في الصحيح: رسم> أن أسامة قال: يا رسول الله، أوجع في المسلمين وقتل فلانا وفلانا، وأني حملت عليه فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله. قال: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة متن_ح> رسم> .
وفي حديث ابن عباس: اسم> أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بعث معاذا اسم> إلى اليمن اسم> قال له: رسم> فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله متن_ح> رسم> متفق عليه حديث> .
وفي المعنى أحاديث كثيرة تفيد أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان يكتفي من أهل زمانه بهاتين الشهادتين، وأن من أتى بهما، وعمل بمدلولهما، والتزم بما تستلزمه كل منهما، من الطاعة لله ورسوله وجميع أنواع العبادة: فإنه يوحد الله عز وجل، ويتخلى عن العادات الشركية، ويأخذ ذلك من معنى قوله: لا إله إلا الله، كما يلتزم طاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واتباعه بمجرد قوله: محمد اسم> رسول الله، وما ذاك إلا أن القوم إذ ذاك كانوا عربا فصحاء يعرفون ويفهمون معنى الشهادة، ومعنى الإله وما في الكلمة من النفي والإثبات، فلا جرم اقتصر على تلقينهم هذه الكلمة، وذلك من شرط نجاة من تلفظ بهذه الشهادة: أن يكون عالما بمعناها، عاملا بمقتضاها ظاهرا وباطنا، قال الله تعالى: رسم> فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قرآن> رسم> وقال عز وجل: رسم> إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ قرآن> رسم> ونحو ذلك من الآيات التي تبين أنه يشترط العلم بمعناها.
وعلى هذا فيجب الكف عن من أتى بالشهادتين ظاهرا من المشركين، ويحقن بذلك دمه حتى يختبر وينظر في أمره بعد ذلك، فإن استقام على الدين، والتزم بالتوحيد، وعمل بتعاليم الإسلام، فهو مسلم له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، وإن خالف مقتضى ما شهد به، أو ترك بعض ما كلف به جحدا وإنكارا، أو استباح المحرمات المعلوم بالضرورة تحريمها، لم تعصمه هذه الكلمة، وهذا هو الواقع في الكثير من أهل هذا الزمان: من علماء، وعامة وجهلة، أو مقلدة؛ حيث إن الكثير من العوام في هذه القرون المتأخرة قد فسدت عقائدهم، ونشئوا على جهالة بالدين وبمدلول الشهادتين، بل بمعاني اللغة العربية كلها، فلا جرم أصبح الجمهور منهم لا يفهمون معنى الشهادتين، ويقعون فيما يناقضهما صريحا، ويكتفون بمجرد التلفظ بهما معتقدين أن الأجر والحسنات وعصمة الدم والمال تحصل بترديد هذه الأحرف الجوفاء، دون معرفة لمعانيها ولا عمل بمقتضاها، لذلك نحن بحاجة إلى الكلام على معاني هاتين الشهادتين؛ لإقامة الحجة على من خالف ذلك معنى، واكتفى بالتلفظ بهما، وزعم أنه بذلك مسلم كامل التوحيد.
مسألة>