إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف logo إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
shape
الكنز الثمين
123581 مشاهدة print word pdf
line-top
المبحث الثاني القتال على الشهادتين ووجوب الإتيان بهما

في الصحيحين: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه، إلا بحقهما وحسابه على الله عز وجل وفي رواية لمسلم حتى تشهدوا: أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به .
وفي الصحيحين: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا: أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله .
وفي الصحيح: عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أمرت أن أقاتل الناس -يعني المشركين- حتى يشهدوا: أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، فإذا شهدوا: أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم، إلا بحقها .
والأحاديث في هذا كثيرة، وهكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتقبل كل فرد أسلم بعد أن يتكلم بالشهادتين. فقد ذكر المؤرخون في قصة إسلام أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- أنه قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: السلام عليك يا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. قال: فرأيت الاستبشار في وجهه .
وذكر عن خالد بن الوليد أنه قدم المدينة للإسلام، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فسلمت عليه وقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. فقال: الحمد لله الذي هداك .
وكذا قصة إسلام خالد بن سعيد بن العاص -رضي الله عنه- أنه لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إلام تدعو؟ قال: أدعوك إلى الله وحده، لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وتخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع، ولا يضر ولا ينفع، ولا يدري من عبده ممن لا يعبده. قال خالد: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله .
فهذه القصص ونحوها تفيد أن النطق بالشهادتين شرط لقبول الإسلام فمن أتى بهما دخل في هذا الدين، وعصم بذلك دمه وماله وحرم قتله.
وقد أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على أسامة؛ لما قتل من تلفظ بهذا الكلمة، ففي صحيح مسلم وغيره: عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه في سرية قال: فأدركت رجلا فقال: لا إله إلا الله، فطعنته، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقال: لا إله إلا الله وقتله؟ قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السلاح. قال: أفلا شققت عن قلبه؟ .
وفي حديث جندب البجلي في الصحيح: أن أسامة قال: يا رسول الله، أوجع في المسلمين وقتل فلانا وفلانا، وأني حملت عليه فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله. قال: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة .

وفي حديث ابن عباس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله متفق عليه .
وفي المعنى أحاديث كثيرة تفيد أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان يكتفي من أهل زمانه بهاتين الشهادتين، وأن من أتى بهما، وعمل بمدلولهما، والتزم بما تستلزمه كل منهما، من الطاعة لله ورسوله وجميع أنواع العبادة: فإنه يوحد الله عز وجل، ويتخلى عن العادات الشركية، ويأخذ ذلك من معنى قوله: لا إله إلا الله، كما يلتزم طاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واتباعه بمجرد قوله: محمد رسول الله، وما ذاك إلا أن القوم إذ ذاك كانوا عربا فصحاء يعرفون ويفهمون معنى الشهادة، ومعنى الإله وما في الكلمة من النفي والإثبات، فلا جرم اقتصر على تلقينهم هذه الكلمة، وذلك من شرط نجاة من تلفظ بهذه الشهادة: أن يكون عالما بمعناها، عاملا بمقتضاها ظاهرا وباطنا، قال الله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وقال عز وجل: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ونحو ذلك من الآيات التي تبين أنه يشترط العلم بمعناها.
وعلى هذا فيجب الكف عن من أتى بالشهادتين ظاهرا من المشركين، ويحقن بذلك دمه حتى يختبر وينظر في أمره بعد ذلك، فإن استقام على الدين، والتزم بالتوحيد، وعمل بتعاليم الإسلام، فهو مسلم له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، وإن خالف مقتضى ما شهد به، أو ترك بعض ما كلف به جحدا وإنكارا، أو استباح المحرمات المعلوم بالضرورة تحريمها، لم تعصمه هذه الكلمة، وهذا هو الواقع في الكثير من أهل هذا الزمان: من علماء، وعامة وجهلة، أو مقلدة؛ حيث إن الكثير من العوام في هذه القرون المتأخرة قد فسدت عقائدهم، ونشئوا على جهالة بالدين وبمدلول الشهادتين، بل بمعاني اللغة العربية كلها، فلا جرم أصبح الجمهور منهم لا يفهمون معنى الشهادتين، ويقعون فيما يناقضهما صريحا، ويكتفون بمجرد التلفظ بهما معتقدين أن الأجر والحسنات وعصمة الدم والمال تحصل بترديد هذه الأحرف الجوفاء، دون معرفة لمعانيها ولا عمل بمقتضاها، لذلك نحن بحاجة إلى الكلام على معاني هاتين الشهادتين؛ لإقامة الحجة على من خالف ذلك معنى، واكتفى بالتلفظ بهما، وزعم أنه بذلك مسلم كامل التوحيد.

line-bottom